فصل: ذكر خلافة المتقي إبراهيم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التنبيه والإشراف (نسخة منقحة)



.ذكر خلافة القاهر:

وبويع القاهر محمد بن أحمد المعتضد، ويكنى أبا منصور، وأمه أم ولد، تسمى قبول، يوم الخميس لليلتين بقيتا من شوال سنة 320. ثم خلع وسملت عيناه يوم الأربعاء لخمس خلون من جمادى الأولى سنة 322 وله ست وثلاثون سنة وأشهر. ولم يسمل قبله أحد من الخلفاء وملوك الإسلام. وكانت خلافته سنة وستة أشهر وستة أيام وكان أبيض يعلوه حمرة، مربوعاً، حسن الجسم، أعين، وافر اللحية، ألثغ، شديد الإقدام على سفك الدماء، أهوج، محباً لجمع المال على قلته في أيامه قليل الرغبة في اصطناع الرجال، غير مفكر في عواقب أموره، راكباً ردعه، واطئاً عشواته يريد الشبه بمن تقدم من آبائه، فلا يمكنه ذلك لسوء تدبيره وقبح سياسته واستوزر أبا علي محمد بن مقلة ثم جعفر محمد بن القاسم بن عبيد الله، ثم أبا العباس أحمد بن عبيد الله الخصيبي.
وكان نقش خاتمه القاهر بالله وقاضيه عمر بن محمد بن يوسف بن يعقوب، وحاجبه علي بن يلبق، وبدر الخرشني، وفارس بن الزنداق، ومحمد ابن ياقوت، وسلامة المؤتمن المعروف بأخي نجح.

.ذكر خلافة الراضي محمد:

وبويع الراضي محمد بن جعفر المقتدر ويكنى أبا العباس، وأمه أم ولد تسمى ظلوم، يوم الخميس لست ليال خلون من جمادى الأولى سنة 322، وتوفي بمدينة السلام يوم السبت لست عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة 329 وله اثنتان وثلاثون سنة وأشهر، وكانت خلافته ست سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام. وكان أسمر، أعين، مسنون الوجه، خفيف العارضين، دحداحاً، نحيفاً، جواداً، محباً للأدب، حسن الشعر، شديد التضريب بين أوليائه، لاستبدادهم بالأمور دونه، وقصور يده عن تغيير ذلك، فاستوزر محمد ابن علي بن مقلة، وولده أبا الحسين علي بن محمد وكانا يخاطبان بالوزارة وتخرج الكتب بأسمائهما ثم استوزر أبا علي عبد الرحمن بن عيسى بن داود بن الجراح، ثم أبا جعفر محمد بن القاسم الكرخي. ثم أبا القاسم سليمان بن الحسن بن مخلد بن الجراح، ثم أبا الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات، ثم أبا عبد الله أحمد بن محمد البريدي، ثم سليمان بن الحسن بن مخلد.
وكان نقش خاتمه الراضي بالله وقاضيه عمر بن محمد بن يوسف، ثم ابناه يوسف، والحسن وحاجباه محمد بن ياقوت، ثم مولاه ذكي.
ومما ذكر في أيامه من الحوادث العظيمة مسير القرمطي سليمان بن الحسن صاحب البحرين عن الإحساء لاعتراض الحاج في بدأتهم لموسم سنة 323 خرج لست بقين من شوال في تسعمائة فارس وتسعمائة راجل، وقسم العسكر نصفين من الجابرية وهي من الإحساء على ثلاثة أيام، فجعل على أحد النصفين أبا عبد الله الحسين بن علي بن سنبر ومعاذاً الكلابي فساروا قاصدين طريق مكة لطلب أول الحاج وقصد القرمطي القادسية لاستقبال القافلة الشمسية مع لؤلؤ غلام المتهشم، فوقع ابن سنبر بالخوارزمية وغيرهم، وكان رؤساءهم شاذان وابن حاتم وغيرهما بناحية زبالة والعقبة، فأسرهما وغيرهما من أهل القوافل وقتل، وذلك لسبع عشرة ليلة خلت من ذي القعدة من هذه السنة، وانهزم الباقون راجعين يريدون العذيب، ولا علم عندهم أن القرمطي أمامهم، وسار لؤلؤ غلام المتهشم بالناس، ولقيه القرمطي بالقادسية يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة من هذه السنة.
فقاتل لؤلؤ إلى أن نالته جراحات، وانكشف أصحابه عنه، وطرح نفسه بين القتلى. ودخل الكوفة في الليل مستخفياً، واستولى أبو طاهر على تلك القافلة بأسرها وكان من انقضاض الكواكب ليلة الأربعاء التي كانت الوقعة في صبيحتها ما لم ير مثله في الإسلام، والقرمطي حينئذ سائر من خفان يريد القادسية وبينهما ستة أميال.
ورجع القرمطي مستقبلاً للمنهزمين من ابن سنبر الراجعين يريدون الكوفة فلقيه بالعذيب، فاستأمنه قرة لقافلته، وبذل عنها مالاً فأطلقه، ولم يعرض له، وأوقع بالباقي، فقتل وسبى، وصار إليه من صنوف الأموال والأمتعة ما لا يوقف على تحديده ولا يحاط بمبلغه.
وكانت له بعد ذلك سريتان إلى الكوفة وناحية واسط في أيام الراضي أيضاً لم يلق فيهما حرباً أثر تأثيراً يذكر، ولم يزل مقيماً بالإحساء من بلاد البحرين إلى أن توفي يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة 332، وله ثمان وثلاثون سنة، لأن مولده في شهر رمضان سنة 94.
وقتل أبوه أبو سعيد الجنابي سنة 300، وله يومئذ ست سنين، وبقي العسكر تسع سنين إلى أن تسلمه أبو طاهر في شهر رمضان سنة 310.
قال المسعودي: وقد أتينا فيما سلف من كتبنا على شرح هذه الحروب والوقائع وما كان من أخباره فيها وأخبار القرامطة البقلية بسواد الكوفة وغلبتهم عليها، وذلك في سنة 316، والعلة في تسميتهم البقلية، وهو اسم دياني عندهم، وكان رؤساءهم مسعود بن حريث وعيسى بن موسى بن أخت عبدان بن الربيط الملقب قرميط والمعروف بابن أبي السيد وابن الأعمى، وأبو الذر والجوهري وغيرهم.
وكان جمهورهم بنو ذهل وبنو رفاعة وإيقاعهم ببني بن نفيس بناحية الطفوف، وجنبلاء، وتل فخار، وهزيمتهم إياه واحتوائهم على عسكره، ومواقعة هارون بن غريب الخال، وصافي غلام نصر القشوري إياهم، ومن قتل منهم وأسر، ومن انضاف منهم إلى سليمان بن الحسن عبد رجوعه من هيت إلى بلد البحرين، وكانوا يعرفون في عسكره بالأجميين، لكنى أكثرهم الآجام والطفوف من أعمال الكوفة وأخبار الغلام المعروف بالذكرى من أبناء ملوك الأعاجم من بلاد صبهان، ووروده إليهم في سنة 316، وتسيلم أبي طاهر الأمر إليه في سنة 319 وإجماعهم عليه، وما رسم من الرسوم والمذاهب التي أخذهم بها، وقتله لأبي حفص بن زرقان زوج أخت أبي طاهر.
وكان يدعي الشريك، وكان أكملهم عقلاً، وأوسعهم علماً، وأحسنهم أدباً، وبني سلمان وغيرهم من وجوه العسكر، وهم نحو من سبعمائة رجل، وما أظهر في العسكر من المذاهب الشنيعة، والسير القبيحة، التي لم تعهد، ولا عرفت في عسكر هؤلاء القوم منذ استولى أبو سعيد على هذه البلاد وولده وزوالها بزواله ورجوعهم عنها، واعتذارهم عنها، وما وقع عليها من التدبير إلى أن قتل فيما قيل.
وعاد الأمر إلى أبي طاهر، وغير ذلك من أخبار أصحاب الغرب وحروبهم ومن كان منهم باليمن واتفاق جميع من ذكرنا على سبب واحد وانقيادهم إليه، وقولهم به وانتظارهم له، وأخبار أبي سعيد الحسن بن بهرام الجنابي، ونسبته واتصاله بملوك فارس، ومكانه من هذه الدعوة، وكيفية دخوله البحرين، وما كان من أمره بالقطيف مع بني مسيار، واتصاله ببادية بني كلاب، وكان أبو زكريا البحراني دعاهم، وما كان بين أبي سعيد وبين أبي زكريا، وقبض أبي سعيد عليه وهلاكه في يده وفتحه سائر مدن البحرين، وكان أهلها في نهاية العدة والقوة كالقطيف، وكان بها علي بن مسمار وإخوته، وهم من عبد القيس، وقتله علياً والزارة، وكان بها الحسن بن العوام من الأزد وصفوان، وكان بها بنو حفصن وهم من عبد القيس أيضاً والظهران والإحساء، وكان بها بنو سعد من تميم وجواثاً، وكان بها العريان بن الهيثم الربعي، وقد ذكره علي بن محمد المنتمي إلى أبي طالب صاحب الزنج الناجم بالبصرة عند ظهوره بالبحرين في تميم وكلاب ونمير وغيرهم، وذلك قبل مصيره إلى البصرة، وكان العريان أوقع بهم في عبد القيس، وبني عامر بن صعصعة، ومحارب بن خصفة بن قيس ابن عيلان وغيرهم وقعات متتابعات، فأخرجه عن البحرين ونواحيها، وقتل من أصحابه خلقاً كثيراً، فلما وقع طرفه بالصمان على الطائر المعروف بالمكاء، قال كلمته التي أولها:
أيا طائر الصمان مالك مفرداً ** تأسيت بي أم عاق إلفك عائق

فقال فيها:
عدمت عتاق الخيل إن لم أزر بها ** عليها الكماة الدارعون البطارق

عليها رجال من تميم وقصرها ** كليب بن يربوع الكرام الصادق

وجثوتها سعد وفي جنباتها ** نمير وبيض من كلاب عواتق

وإن لم أصبح عامراً ومحارباً ** بخطة خسف أو تعقني العوائق

أيحسبني العريان أنسى فوارسي ** غداة نزال الردم والموت عالق

وقال في كلمة أخرى يذكر عبد القيس:
أتحسب عبد القيس أني نسيتها ** ولست بناسيها ولا تاركاً تبلى

وهجر وكانت أعظم مدن البحر، وكان بها عياش المحاربي، وكان أعظمهم عدة، وأشدهم شوكة، ومواقعة أبي سعيد العباس بن عمرو الغنوي، وقد جرده المعتضد للقائه من البصرة في السبخة المعروفة بافان، وأفان ماء ونخل أراد العباس نزولها، وذلك عند ارتحاله من الماء المعروف بالإعياء، فسبقه أبو سعيد إلى الماء، وطول هذه السبخة سبعة أميال، وبينها وبين البصرة سبعة أيام، وهي على يومين من ساحل البحر، وهي القطيف وبين القطيف وبين البحر ميل، ولها مدينة على الساحل، يقال لها عنك وفيها يقول الراجز:
طعن غلام لم يجئك بالسمك ** ولم يعلل بخياشيم عنك

فلما توسط العباس السبخة بعث أبا سعيد فغور. ما وراءه من المياه، وكانت في أعلى السبخة، وهو طريق ضيق وأبو سعيد في سبعمائة فارس وراجل من كلاب وعقيل وبحرانيين والعباس في سبعة آلاف من الجند، ومطوعة البصرة والبحرانيين، الذين كانوا خلوا عن البحرين وغيرهم.
فأسر العباس وأتى على أكثر من كان معه ولم ينج إلا الشريد، وذلك في رجب من سنة 287.
وما كان من سريته إلى صحار وهي قصبة عمان مرة بعد أخرى، ودخوله إياها عنوة وبين البحرين وعمان مسيرة عشرة أيام رمال ودهاس، وفي بعض المواضع ماء مالح، وإلى بلاد الفلج وهي على ثلاثة أيام من اليمامة، وإلى يبرين وهي من اليمامة على مثل ذلك أيضاً، فأباد أهلها وكانت من أطيب بلاد الله وكثرها وأهلاً، وعمائر ونخلاً وشجراً، فلا أنبس بها إلى هذا الوقت وفيها يقول جرير:
فقلت للركب إذ جد المسير بنا ** يا بعد يبرين من باب الفراديس

وسبب فتك الخادمين الصقلبيين الذي كان أخذهما حين واقع بدر المحلي، وكان جاء من عمان في البحر لقتاله، وكان اصطنعهما فقتلاه في الحمام في ذي القعدة سنة 300 وعدة من خواص أصحابه من القطيفين معه وهم حمدان وعلي ابنا سنبر، وبشر، وأبو جعفر ابنا نصير، وهما خالا ولد أبي سعيد المعروف بابن جنان ومحمد بن إسحاق وكان مدة أبي سعيد مذ ظهرت دعوته بالقطيف وافتتح سائر مدن البحرين وآخرتها هجر إلى أن قتل سبعاً وعشرين سنة.
وقد ذكرنا في كتاب خزائن الدين، وسر العالمين، عند ذكرنا أرباب النحل ورؤساء الملل وما أحدثوه عن الآراء والمذاهب ما ذكره من خالف هذه الطائفة ورد عليهم وحكى عنهم وأن هذه الدعوة أحدثت بأصبهان سنة 360 وما الغرض بها والمقصد منها وتسليمهم ظاهر الشريعة، وقولهم في تأويل معانيها، وأمرهم المدعو عند أخذ العهد عليه بستر ما يكشفونه له من تأويل كتاب الله، ومنهم من يقول للمدعو عند ذلك استر ما أكشفه لك من تأويل كتاب الله وتأويل التأويل وتبليغه إلى مراتب ينتهون به إليها يسمونها البلاغ، وغير ذلك من دعواتهم ووجوه سياساتهم وأسرارهم في ذلك ورموزهم.
وقد صنف متكلموا فرق الإسلام من المعتزلة والشيعة والمرجئة والخوارج والنابتة ممن تقدم كتباً في المقالات وغيرها من الرد على المخالفين، كاليمان بن رئاب الخارجي، وزرقان غلام إبراهيم بن سيار النظام، ومحمد بن شبيب صاحب النظام أيضاً، وعباد بن سلمان الصيمري، صاحب هشام بن عمرو الفوطي، صاحب أبي الهذيل محمد بن الهذيل العبدي العلاف البصري، ومحمد بن عيسى بن غوث، صاحب الحسين بن محمد النجار، وأبي عيسى محمد ابن هارون الوراق، وأحمد بن الحسن بن سهل المصمعي المعروف بابن أخي زرقان وغيرهم ممن شاهدناه كأبي علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي في كتابه في الرد على أصحاب التناسخ والخرمية وغيرهم من أهل الباطن، وأبي القاسم البلخي وأبي العباس عبد الله بن محمد الناشي، والحسين بن موسى النوبختي في كتابه في الآراء والديانات، وفي كتابه في الرد على الغلاة وغيرهم من الباطنية، وأبي محمد عبد الله بن محمد الخالدي، وأبي الحسن بن أبي بشر الأشعري البصري الكلابي وغير هؤلاء فلم يعرض أحد منهم بوصف مذاهب هذه الطائفة ورد عليهم آخرون مثل قدامة بن يزيد النعماني، وابن عبدك الجرجاني، وأبي الحسن ابن زكريا الجرجاني، وأبي عبد الله محمد بنعلي بن رزام الطائي الكوفي، وأبي جعفر الكلابي الرازي وغيرهم، فكل يصف من مذاهبهم ما لا يحكيه الآخر مع إنكار هذه الطائفة حكاية من ذكرنا وتركهم الاعتراف بها، ونحن فلم نقصد في كتابنا هذا حكاية مذاهبهم ولا الرد عليهم وكان مقتل محمد بن علي الشلمغاني الكاتب المعروف بابن أبي العزاقر يوم الثلاثاء غرة ذي القعدة سنة 322 فقطعت يداه ورجلاه وضربت عنقه وأحرق في مجلس الشرطة في الجانب الغربي لأمور ديانية أحدثها ومقالات فيما ذكر ذكرها وأظهرها كثر المستجيبون له إليها وقتل معه رجل من أتباعه يقال له ابن أبي عون ويعرف بابن النجم الكاتب مثل ذلك.
وقد أتينا على ما ظهر من قوله وحكاه من هذا عن نفسه في رسالته المعروفة بالمذهبة وكتابه فيالوصية وكتاب الغيبة وكتاب التسليم، وغير ذلك من كتبه في كتابنا في المقالات في أصول الديانات عند ذكرنا مذاهب الشيعة وغلاتهم.

.ذكر خلافة المتقي إبراهيم:

وبويع المتقي إبراهيم بن المقتدر ويكنى أبا إسحاق وأمه أم ولد تسمى خلوب يوم الخميس لتسع بقين من شهر ربيع الأول سنة 329، وخلع وسملت عيناه يوم السبت لعشر ليال بقين من صفر سنة 333 وله ثلاثون سنة، وأشهر وكانت خلافته ثلاث سنين وعشرة أشهر وعشرين يوماً، وكان أبيض صافي اللون أشهل، في شعره شقرة وهو حي إلى وقتنا هذا- وهو سنة 345 مكرم على ما ينمى إلينا من أخباره واستوزر سليمان بن الحسن بن مخلد، ثم أبا الحسين أحمد بن محمد بن ميمون، ثم أبا جعفر محمد بن القاسم الكرخي بعد أن دبر الأمور أبو الحسن علي بن عيسى بن داود بن الجراح، وميسم الوزارة لأخيه عبد الرحمن بن عيسى، ثم أبا إسحاق محمد بن أحمد القراريطي، ثم أبا العباس أحمد بن عبد الله الأصبهاني، ثم أبا الحسين علي بن محمد بن علي ابن مقلة وكان نقش خاتمه المتقي بالله وقاضيه المعروف بالخرقي، وحاجبه سلامة مولاه المؤتمن المعروف بأخي نجح، ثم بدر الخرشني، ثم أحمد بن خاقان ومن الحوادث العظيمة التي كانت في أيامه في الملك مما لم يجر مثله على أحد من خلفاء بني العباس. دخول أبي الحسين البريدي إلى مدينة السلام في جيوشه في الماء وعلى الظهر، يوم السبت لتسع بقين من جمادى الآخرة سنة 33 وهرب المتقي عن دار ملكه، ومعه محمد بن رائق يريدان الموصل، وانتهبت دار الخلافة وغيرها من دور الأولياء وانتهك الحريم بعد ممانعة عظيمة وحروب وقتل من الناس وغرق نحو من عشرة آلاف، وقيل أكثر من ذلك.

.ذكر خلافة المستكفي:

وبويع المستكفي عبد الله بن علي المكتفي ويكنى أبا القاسم، وأمه أم ولد رومية تسمى غصن، في الموضع المعروف بالبثق على نهر عيسى بإزاء القرية المعروفة بالسندية، في الوقت الذي سملت فيه عينا المتقي وخلع يوم الخميس لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة 334، وسملت عيناه، وله ثمان، وقيل ثلاثة وأربعون سنة وأشهر؛ وكانت خلافته سنة وشهرين وثمانية وعشرين يوماً.
وكان أبيض اللون، حسن الوجه، صغير الفم، بعارضه شيب، وكان المدبر للأمور في أيامه أبو جعفر محمد بن شيرزاد كاتب توزون التركي وقد كان أبو الفرج أحمد بن محمد السامري خلع عليه ووزر سبعة وأربعين يوماً، وهو آخر من خوطب بالوزارة في أيام بني العباس إلى وقتنا هذا ثم الشيرازي أبو أحمد الفضل بن عبد الرحمن نفذت الكتب عنه باسمه، ثم غلب ابن شيرزاد على الأمر وكان نقش خاتمه المستكفي بالله وقاضيه ابن أبي الشوارب، وابن أبي موسى الهاشمي؛ وحاجبه أحمد بن خاقان المفلحي.